قداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثانى

قداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثانى

وصية قداسة البابا شنودة الثالث لرعيته

وصية قداسة البابا شنودة الثالث لرعيته
وصية قداسة البابا شنودة الثالث مثلث الرحمات

السبت، 12 يناير 2013

أقوال آباء : القديس مارافرام السرياني


10- في مدح سيرة الآباء السواح -8

+ الذهب هوة وشرك مخفى,ولكنهم بسهولة قفزوا فوقه وعبروا.
ولأن الممتلكات تضل الجهلاء,رفضوا هم كل قنيان.

+ وبينما الإنسان الجشع يغتصب لنفسه الممتلكات,تركوا هم كل ما كان لهم ومضوا, ومقابل كل شر,اتخذوا درع الإيمان سلاحًا لهم.

+ رأوا العالم يفرح,فأحبوا هم الأحزان. ورأوا العالم يمتلئ بالملذات,

فاكتفوا هم بأعشاب البرية غذاءً.حتى يصيروا بواسطة الشدائد الوقتية, أهلًا للخيرات الأبدية.

+ رأوا غرور العالم ومجده الباطل,فأحبوا التواضع والمسكنة, لكى يصيروا باتضاعهم, أهلًا لمجد يدوم إلى الأبد.

+ رأوا العالم تتملك فيه الشهوة,فتمسكوا بالأصوام النقية, لكى يقتنوا بالصوم أجنحة, يحلقون بها في السماويات.

+ رأوا الفجور يملأ العالم, فضبطوا العفة حسنًا, لكى يتأهلوا بطهارة أجسادهم, لميراث الملكوت الأبدى.

+ رأوا القلق والاضطراب يسودان العالم, فأحبوا الهدوء والصمت، لئلا يفسد العدو أتعابهم,ولو بكلمة واحدة.

+ رأوا في العالم الخبث والرياء, فتمسكوا بالصدق والصراحة, لكى يؤهلهم الصدق, لاقتناء دالة في يوم القيامة.

+ رأوا في العالم الكذب والتزييف. فأحبوا الاستقامة والنزاهة, حتى يتأهلوا باستقامتهم, للمراتب السماوية العالية.

+ رأوا خذاع العالم فاختاروا البساطة وفيهم تحققت كلمة الرب إذ صاروا كالأطفال كما هو مكتوب.

+ سمعوا قول الرسول, يتكلم عن نفسه بكل حماس: (قد صلبت للعالم، والعالم بكل ملذاته قد صلب لى) لهذا صلبوا أجسادهم,مقابل كل شهوات العالم. وبإماتات من كل نوع,كانوا كل يوم يقمعون أجسادهم.قد تسلموا من سابقيهم, كيف يقتنون الفضيلة, وكلما شتموا أو عيروا, اقتنوا فهمًا ومعرفة.


11- في مدح سيرة الآباء السواح -9

+ أدركوا أن إيليا لما كان في البرية لم يلحقه أذى,ولكن حالما اقترب من الناس,تعقبته تلك المجنونة إيزابل.

+ وبينما كان يوحنا في البرية, خرجت إليه الجموع متهللة.ولكن حالما دخل المدن المأهولة, قطع هيرودس رأسه. ولذلك هجروا العالم, الذى امتلأ من المخاطر وهربوا.وفى البرارى عاشوا وسكنوا, إلى البرارى عاشوا وسكنوا, إلى أن أدركوا جعالتهم.

+ أمران فازوا بهما هناك, فى تلك القفار التي خرجوا إليها: هناك صاروا محفوظين من السقطات, ومن الأمور المخزية التي يرتكبها الناس.

+ هناك استتروا من الظلم,ومن الطمع الذي يسبب الخراب,هناك احتموا من سهام الغدر والسخرية والغيرة الحمقاء, فتخلصوا من الاستعلاء ومن الكبرياء البغيض.

+ صاروا رفقاء الاستعلاء ومن الكبرياء البغيض.

+ صاروا رفقاء الملائكة السمائيين, فقد تشبهوا بهم حقا في كل شئ.فالملائكة في السماء لا يقتنون شيئًا,وليس لهم عمل سوى الترنم بتسبيح الله.

+ هكذا لا يعوق محبة المال هؤلاء, عند تقديم الصلوات والتماجيد, ولا الاهتمامات تشغلهم, عن الترتيل والتسبيح.

+ لا يعرفون الكسل ولا التراخى, لذلك فعقولهم دائما مستنيرة. واليأس لا يقدر أن يقترب منهم, لأن الغيرة تحثهم دائمًا على الجهاد.

+ أماتوا أعضائهم عن العالم, فلم تعد تسبب لهم مضرة.

+ وضعوا كل ثقتهم في السماء,وهناك سكنت قلوبهم.نحو السماء شخصت عيونهم,وإليها بسطوا أياديهم.من أجل السماويات قدموا أتعابهم, ونحوها ثبتوا خطواتهم.لذلك فهناك ستكون سكناهم, مع الرسل في أعالى السموات.

+ حينما يسجدون في صلواتهم,تبتل الأرض بدموعهم.وحينما ترتفع أصوات تنهداتهم, فإن ملائكة السماء تفرح وتسر.

+ الواحد منهم يفضل عدم الرقود, فيقضى الليل ساهرًا يقظًا. والآخر يختار عدم الجلوس, فيقف منتصبًا في نقاوة.

+ وثالث يحرص دائمًا, ألا تخرج من فمه كلمة مرزاح, وآخر لم تكن مسرته، إلا في النطق بكلام الله.

+ يطيلون خدمة الصلوات, ولأجل ذلك ينهضون مبكرين للصلاة. كل النهار وطول الليل, لم يكن لهم عمل غير الصلاة.


12- في مدح سيرة الآباء السواح -10

+ عوض البخور الذي لم يكن عندهم, صارت نقاوتهم بخورًا عطرًا. وعوض مبنى الكنيسة,صاروا هم أنفسهم هياكل للروح القدس. وعوض المذابح صارت عقولهم مذابح مقدسة, وعليها يقدمون كل حين ذبائح طاهرة.

+ صعدت طلباتهم وتضرعاتهم,رائحة رضى أمام الرب.

+ الناس جيمعًا يرهبون الصحراء,أما هم فقد صارت لهم ملجًا حصينًا. ومن ذخائر أجسادهم, تفيض المعونة لكل الخليقة.

+ البلاد التي يسود الظلم فيها,بصلواتهم محفوظة من الدمار. والعالم الغارق في الخطية,مصون بصلواتهم.

+ الأرض المرتجة من هول الهرطقات, مسنودة بطباتهم,

+ والأمم المضطربة بالمجادلات الباطلة,أسهار هؤلاء الناس ملأتها هدوءً وطمأنينة.

+ مغبوط من يحسب أهلًا, لرفقة هؤلاء المناضلين. طوبى لمن يحبهم،ولمن يطبع في ذهنه صورة جهادهم

+ طوبى لمن يبدأ في اقتفاء أثر خطواتهم,ويكمل مسيرته على درب جهادهم.

+ طوبى لمن لا يتراجع,عن التمثل بأسلوب حياتهم.وقد تحدثنا عن هذا التطويبات هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.

+ طوبى لمن لا ينفصل عنهم,حين يرثون المواعيد.

+ طوبى لمن يبدأ ويكمل, مسيرته بشجاعة مثلهم.

+ أما نحن يا رب الذين نحب من أحبوا رفقتك,فلا تفرزنا من موكبهم, حين يقفون أمامك في ملكوتك.

+ ولأننا بالحب أحصينا أتعابهم,لكى تستعلن نصرتهم,اجعلنا أهلًا أن ندرك معهم,الأفراح الأبدية غير الفانية

+ ليت جماعتنا كلها,إذ تبتهج في سيرة أولاد النور هؤلاء يجدون رحمة في يوم الدين بصلواتهم نعم. آمين.

 
المصدر : http://st-takla.org

أقوال آباء : القديس مارافرام السرياني


    3- في مدح سيرة الآباء السواح -1

    + الذي يحب الأمور العتيدة لا تغوص غرقًا أمواج المرئيات  لئلًا بسبب محبة المال يفنى بلهيب نارها مع الزوان.

    + الأمور الباطلة يحتقرها الحكيم ويستخف بهاوالعالم في عينيه محسوب عدمًا وخلاء.

    + هاموا جائلين في بطون البرارى وقفور الغربة أفلتوا من قيود الخطية وطين شهواتها. ما أعجب حكمة هؤلاء الناس! كم فاقت حكمتهم أولئك المأسورين بعبودية الغنى، وكنوز الأطماع كان كنزهم مرصودًا في السماء.

    + كل علل الحيدان عن الملكوت أبغضوها وكل ما يعرقل سيرتهم نحو الكمال تركوه.

    + رب الكل أحبوه السيد الذي تجثو له كل الركب عشقوه ولأنهم مقتوا المقتنيات.

    + صعدوا إلى علو السماويات وهم مازالوا بأجسادهم وحتى لا تؤخذ أرجلهم في شباك الغيرة والحسد هجروا الزوائل وتخلوا عن العابرات.

    + لم تعوقهم أجسادهم عن الصعود إلى العلولأنهم انحلوا من كل رباط، وتكسرت عنهم كل القيود والطمع عندهم صار مكروها ومرذولًا قمعوا أجسادهم الترابية واستعبدوها فنجوا من سهام الخطية وقيح جروحها.

    + على كفة ميزان الحق ظهر الفارق بين الجماعتين جماعة الذين أحبوا غنى العالم فسقطوا مكبلين بسلاسل شهوات الأرض, وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وجماعة الذين افتقروا باختيارهم فأخذوا أجنحة نارية,حلقوا بها في مجد السموات.

    + القوم الذين عاشوا في زمن نوح كانوا محبين للمال والفسق, فجاء عليهم الغضب وأهلكهم الطوفان لأنهم لم يرضوا الله..

    + أما أخنوخ فلكونه أرضى الرباختطف إلى الفردوس.

    + آخاب الذي أحب الممتلكات افترسته الكلاب كما هو مكتوب أما إيليا الذي جال في البرابري فقد ارتفعت به المركبة النارية إلى السماء.

    + هيرودس عاشق مال الدنيا رأى كل ماله يندثر عند الممات أما يوحنا ربيب البرارى والجبال فقد صار عظيمًا في ملكوت السموات.


    4- في مدح سيرة الآباء السواح -2

    + الحكماء يتأملون هؤلاء الرجال فيختارون ما هو أعظم وأسمى, يختارون طريق الحياة الذي يقود تابعيه إلى التحليق في جو السماويات..

    + هؤلاء عرفوا كيف يربحون حياتهم لأنهم عن العالم حسبوا نفوسهم مائتين.ولكونهم أماتوا عنهم شهوة الدنيا تقبلوا من الرب حياة لا تزول.

    + لذلك فقد صاروا لنا مثالًا يحتذى حتى نتبع خطواتهم فنقتدى بهم وعلى أجنحة الفقر الاختيارى يمكننا أن نطير ونحلق بهم.

    + بالحقيقة كانوا بشرًا وقد لبسوا جسدًا مثلنا ولكن بسبب حبهم لله فقد آثروا سكنى البرارى كالوحوش..

    + تركوا الأهل والأقارب وتخلوا عن القنية والبيوت وحسبوها ترابا في تراب لكى يقتنوا ملكوتًا لا يزول..

    + جالوا في البرارى هربًا من دنس الخطيةهاموا مثل الوحوش في القفار ليكونوا أهلًا لوليمة عرس الخروف.

    + عوضًا عن الطيبات والشهيات اقتاتوا بنبات البرية والأعشاب وعوضًا عن شوامخ البيوت سكنوا المغاور والكهوف.

    + كنسور كان عشهم في أعالى الجبال طارو عاليًا ولم يحطوا إلا على قمم التلال.عنهم تكلم النبى:(ليهتفوا من قم الجبال).

    + عوض النوم على سرير تمددوا على أرض المسكنة وعوض الوسائد اللينة ارتاحت رؤوسهم على الصخور.

    + عوض المائدة فى وقت تناول الطعام افترشوا الأعشاب فوق الركب ومن حجورهم تناولوا الطعام.

    + ليس مشروبهم من خمر, ولكن من الماء القراح.

    + عوضًا عن الأطياب والدهون لصق القذر بالجسوم نعم، فقد اسودت أجسادهم لأنهم أحبوا ذلك الحبيب المدهون.

    + عوضًا عن الثياب الحريرية لبسوا الخرق البالية، ومنهمن من تجرد عن الهدوم وعوض الأحذية الغالية انتعلوا الحفاء وعرى القدمين.

    + عوض ملاقاة الناس تآنسوا بالوحوش وعوض الأقارب الذين هجروهم نزلت الملائكة وافتقدوهم.


    5- في مدح سيرة الآباء السواح -3
   
    + صارت أجسادهم هياكل للروح, وعقولهم دشنت كنائس. صلواتهم صارت مجامر بخور, ودموعهم عطرًا ذكيًا.

    + تنهداتهم تقدمات, وتسبيحهم فرح ومسرة. مراثيهم جواهر ثمينة, وطهارتهم حجر كريم.

    + أنسكبت الدموع من عيونهم.  فردوا المخاطر عن الأرض. ولما صعدت تضرعاتهم إلى فوق  فاضت الأرض بالبركات.

    + ليس منهم من يفكر في قوت أو غذاء فهم دائمًا يحيون بالرجاء وليس من يطلب الكساء فقد صار لهم الإيمان رداء.

    + ولا من يستهويه مال العالم فقد صار كنزهم في السماء. لم يوجد بينهم من يفكر في قنية, فرجاؤهم وحده هو الفردوس. ولأنهم تجردوا من حطام الدنيا, لم يذهب منهم أحد للقضاء.

    + ليس بينهم تطاحن ولا عراك, لأنهم ملكوا المحبة فسكنت بينهم. ليس من يكره قريبه أو يبغضه,لأن ألفة القلوب وحدت بينهم.

    + طردوا الحسد من وسطهم لأنهم لم يطمعوا في ثراء ليس من يحنق على قريبه لأن جهدهم انصب على الباقيات ولا من يغضب على أخيه لأنهم تخلوا عن الأرضيات. فقد صاروا خلائق روحانية, وإن وجدوا بين الأرضيين. وشابهوا الملائكة السماوية, وإن عاشوا بين البشريين.

    + لم يثقلوا أنفسهم بمحبة العالم وقنيانه,ولا سمحوا لمحبة المال أن تخنق إرادتهم.  فالذهب عندهم كالروث,والثروات حسبوها كالتراب.

    + لقد طرحوا عنهم كل الشهوات, وقمعوا أجسادهم تحت نير الأصوام. داسوا على رأس الشيطان, فلم يقدر أن يمسكهم في شباكه. حطموا قيود الخطية, ففقدت سلطانها عليهم.

    + بات الشيطان تحت أرجلهم مذبوحًا, لأنه لم يقدر أن يصرعهم بأسلحته. ربطوه وطاروا أحرارًا, ولم يقدر أن يصطاد أرجلهم بحبائله. ولشدة تعذيبهم له، صرخ مغلوبًا لأنهم أفلتوا من فخاخه.  صار يزعق مولولًا تحت أمشاط جهادهم الحديدية,لأنهم أذلوه بأتعاب كدهم ونسكهم.

    + لازمه الخوف والرعب على الدوام,لأنهم قيدوا حركته بطول أسهارهم. أضعفوه وصاروا هم أشداء, وصلواتهم صارت له كسياط الجلادين.


    6- في مدح سيرة الآباء السواح -4

     + البرية القفرة المرعبة صارت لهم مدينة ملجأ.هناك تصعد ألحان قيثاراتهم عالية. وهناك حفظوا من كل شر.

    + الرعبة تراجعت عن البرية, لأن أبناء الملكوت سكنوها. صارت بالحق مدينة عظيمة,لأجل امتلائها بصوت تسابيحهم.

    + المكان الذي يحل فيه أحدهم يملأه السلام ويحوط به,لأن كل من يحب الله, تأتى الملائكة وتعسكر حوله. فهو وإن كان ساكنًا وحده كما يبدو للعين, إلا أنه يرتبط سرًا في قلبه بجماعات أبناء العلى.

    + وحيث يسكن اثنان منهم معًا, هناك تملك المحبة بينهم, ومع أنهما أثنان بالجسد,إلا أنهم واحد بالإرادة.

    + وكثيرًا ما تجد ثلاثة معًا. فتجد المحبة قد ألفت بينهم,هناك تهرب الفرقة ودهاء المكر,فلا يبقى سوى الحب وحده.

    + وإذا سكن أربعة منهم معًا يحل الروح ويرتاح للسكنى بينهم لأنهم في الحقيقة جسد واحد قد قدسه الله فصار هيكلا له.

    + لقد تمموا الوصية, حسبما أوصى بها الرب في إنجيله, حيث قال: من طلب أن يخلص نفسه,فليخسرها هنا وسط الأتعاب والأحزان. فأتعبوا أجسادهم وأهلكوها,ليس أنهم أبغضوها كغرض وحده,ولكن حتى يحضروها للفردوس في مجد فاخر.

    + شتاءً وصيفًا احتملوا أتعابًا كثيرة متنوعة: فى الشتاء احتملوا صقيع البرد وثلجه, وفى الصيف حرارة الشمس وقيظه.

    + ما خطر على قلب أحد منهم أن يطلب موضعًا مريحًا لجسمه, بل لخشونة الطقس وقسوته,  سلما نفوسهم في بأس وجرأة.

    + منهم من قطع عهدًا ألا يرى وجه إنسان, فهرب إلى البراري الداخلية, ليكون منفرداّ هناك وحده مع نفسه.


    7- في مدح سيرة الآباء السواح -5

    + بحكمة وتمييز اختاروا طريقهم. فحفظوا نفوسهم وصانوها من كل مضرة.  ولهذا السبب وحده, أحبوا الوحدة بعيدًا بعيدًا في القفار: لأنهم إذ مكثوا وحدهم, ظلوا في حماية من كل شر.

    + هناك عاشوا حيث لا يوجد إنسان  قد يؤذى نفوسهم ولو بكلمة,  أفواههم كفت عن كلام الهزء وامتلأت ألسنتهم كل حين بنغمات التسبيح. امتنعوا عن كل حديث ما جن. وانطلقوا يلهجون بترتيل المزامير بغير سكوت. سكنت ألسنتهم عن النم والذم. وفاضت عوضًا عن ذلك بتماجيد الرب.

    + هربوا من كل الأمور غير النافعة, والتزموا بكل ما يبنى نفوسهم وأرواحهم.

    + حملهم الوحيد هو شعر جسمهم  والثوب الذي يستر أجسادهم

    + بعضهم يتدثر بالمسوح والبعض الآخر يلبس ثوبًا من قش مجدول.

    + تنزف الدماء من أقدامهم,لأنهم حفاة يمشون اليوم كله تنضنك أجسادهم وتتآذى, من كثرة ما يلتصق بها من قذر الطريق.

    + كل موضع يحل فيه أحدهم, هناك ينصب صليبه وهناك تصير كنيسة.وحيثما يدركه مغيب الشمس,هناك يجد هيكلًا مكانًا لراحته.

    + مائدته تمتد قدامه,فى أي موضع يحط فيه, حيث عندما يحين وقت الطعام, يلتقط أعشابه ويأكل.

    + من كل عشب يلتقط ويأكل بإيمان وكل ما يتبقى عنه يتركه خلفه ويمضى في طريقه. لأنه سمع ذلك القول: (لا تهتموا بما للغد).

    + لم يخشوا مرضًا, لأنهم سروا بالآلام. ولم يرتعدوا من الموت,لأن الموت عندهم راحة من الأتعاب.

    + وحيث أنهم ماتوا هنا عن العالم, فقد آمنوا أنهم سيحيون هناك لله.

    + يذكرون دائمًا الكلام, الذى كلم به الملاك دانيال قائلًا: (أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح). كانوا واثقين أن الموت رحمة.

    + ولأن الموت الزمنى,هو رحمة للأبرار,استهانوا به واحتقروه,  حتى صار عبدًا ذليلًا خاضعًا لهم.

    + بماذا آذى الموت أليشع النبى, الذى نزل إلى الهاوية, أقام ميتًا ومن أنياب الموت انتزعه.


    8- في مدح سيرة الآباء السواح -6

    + ولأنهم استودعوا الجسد والروح في يدى الله, لم تغتم نفوسهم مقابل البلايا الجسدية.

    + حيثما أدرك المرض متوحدًا منهم, لا يجد رفيقًا يعوده, ولأنه استودع حياته في يد حالقه,فإن قوة العلى تتولى رعايته.

    + وحيث لا يوجد من يعد له طعامه, ولا من يعتنى به في رقاد مرضه,  يقوم الروح القدس بإنعاشه, ومنه يتقبل قوة وثباتًا.

    + وحينما تقترب النهايةويحين وقت الانتقال  فلأنه لم يجعل من الأمور الأرضية متكله,  تقوم الملائكة بتكفينه,  والمكان الذي يشهد موته, هناك يكون قبره.

    + ومثل بذرة في شق الأرض, يبقى محفوظًا إلى يوم القيامة.

    + وإذا جاءه الموت, وهو في كهف أو مغارة وحده,يصير له الكهف قبرًا,وهناك تكرم ذخيرة جسده ككنز أعلى من كنوز الدنيا وأثمن..

    + وإن أدركته النهاية في شق صخرة,هناك يحفظ جسده, وملاك الله ينزل كل حين, ليكرم كنز عظامه الثمين.

    + ولأنهم عاشوا في وحدة.  بعيدًا يسكن كل واحد عن الآخر, وحيث يموت الواحد بعيدًا عن أعين الباقين, فإن المعونات الإلهية تتكاثر عندهم.

    + ومن يوافيه الأجل في مغارته, أو إذا جاءه اليوم الأخير, هناك تقاوم وليمه عرس فرحه, وهناك يبقى فيها إلى يوم القيامة.

    + بعضهم في ظل جرف من الجبال, يكمل حياته وجهاده, وهناك تحفظ عظامه, كجواهر لامعة تشع نورًا وضياءً.

    + والبعض يأتيه الموت, وهو واقف يصلى، وهكذا يرقد.  وبينما القلب يودع الحياة متنهدًا, تقتني النفس أجنحة تطير بها إلى السماء عاليًا.

    + والآخر وقت الخدمة،تدركه ساعة الرحيل, وبينما فمه يفيض تسبيحًا, ينطلق راحلًا ليستريح من أتعابه.

    + وواحد بينما يتناول طعامه, تدركه المنية فيرقد, ومن مائدة الأعشاب البرية, تأتيه الدعوة ليشترك في مائدة الوليمة الأبدية.

    + والذي يصل إلى نهاية سعيه,وهو متكئ على مسند, هناك يبقى جسده, ألى يوم القيامة.

    + وآخر أيضًا يكمل جهاده, وهو في الطريق حيث يرتحل, وهناك يحظى براحته, ويتخلص من هموم أتعابه.


    9- في مدح سيرة الآباء السواح -7

    + من أجل رجائهم كانوا محروسين, لأنهم على الرجاء كانوا يجاهدون.

    + لم يكن هناك من يغلق أجفانهم,ولا من يواري أجسادهم. فالواحد ينتقل إلى الراحة الأبدية, وهو راقد ساند رأسه على حجر,والآخر فيما يضع رأسه بين ركبته, ترحل نفسه إلى الوطن السمائى وتنتقل.

    + أصوات النحيب لا تسمع عندهم.ولا مرثاة تتلى في مواضعهم, فملائكة العلى تأتى, لتنشد بالألحان حولهم.

    + في موتهم لا يوجد حزن ولا بكاء عند انتقالهم. لأن موتهم نصرة وغلبة, إذ قد قهروا العدو وهزموا خصمهم.

    + لا يحزنون إذا مرضوا.ولا يتضايقون إذا جربوا, فالأمراض تهبهم قوة, والتجارب تزيدهم خبرة.

    + لا يتزينون بالثياب الغالية, لأنهم يتسربلون بثوب الإيمان, ولا أحد يعرف قبورهم, فهم في الفردوس يقيمون.

    + لا يحملون بكرامة على الأكتاف, وتراب الأرض صار لهم كفنًا.الوضع حيث يموت أحدهم, يصير بعينه له قبرًا.

    + وحالما ترحل نفس أحدهم, تاركة عنها أعضاء الجسد, تؤخذ للحال إلى مخازن الحياة, هناك تحفظ ليوم القيامة.

    + وتلك المواضع المهجورة حيث تبقى عطامهم, تصير مخيمًا، وهناك تعسكر الملائكة. وأينما وجد جزء من ذخيرتهم,هناك تخدم الملائكة بالتسبيح.لأن جموع الملائكة,يرسلون إلى حيث مقابرهم, ليقدموا خدمتهم أمام عظامهم,حتى يتكللوا بتماجيد النصرة.

    + هؤلاء الناس رأوا العالم يشبه البحر,والأمواج فيه تضرب بعنف سفينة كل إنسان, لهذا خرجوا منه, ونجوا, لئلا تغرقهم أمواجه.

    + هربوا من ذلك البحر بحكمة، وفى السماء ثبتت سفينتهم مراسيها, (وإن كانت البرية لا تخلو من رياح عاتية أشد قسوة من الأمواج).

    + ولأن العالم يصطاد الناس في شباكة بالغنى, هجروا العالم بتمامه, ولأن محبة المال خنقت المولعين به, استهانوا هم به واحتقروه وتركوه ومضوا.

المصدر :  http://st-takla.org

أقوال آباء : القديس مارافرام السرياني


2- في عدم الانتقال من موضع إلى موضع


الأمانة (أي الإيمان) هي أم كل عمل صالح، وبها يقتني الإنسان مواعيد ربنا وإلهنا يسوع المسيح، كما كُتب: "أنه بدون إيمان لا يمكن أن نرضي الله" (عب11: 6). أما عدم الأمانة فهي قنية مثمرة للمحّال (أي الشيطان)، وهي أم كل عمل خبيث، أن منها يتولد انقسام النفس الذي هو عدم الترتيب. والرجل المنقسم لا ثبات له في جميع طرقه: فإن خرجنا إلى القفر لا تستقر أرجلنا، وإن دخلنا إلى الأصقاع المسكونة نطوّب المتصرفين في القفر!

يا إخوتي، إن لم نزرع فكيف نحصد؟ إن لم نقدم الأثمار لمانح الثمر فكيف نستطيع أن نثمر؟ إذا لم نصبر على الحزن فكيف نجد الراحة؟ وإن لم نثبت في البرية فكيف نأخذ ثواب تغرُّبنا؟ وإذا لم نُؤدَّ المسكنة والضيقة فكيف نأخذ الغنى الصادق؟ وإذا لم يحسن اختبارنا في الشتائم والكلوم والاحتقارات فكيف نتبع أثار السيد؟ فهكذا إذا لم نحتمل من أجل الرب أن نثبت في طاعة الشيوخ فإننا ننتقل من مكان إلى الآخر.

أولًا سبيل الإنسان أن يستعلم من أفكاره لماذا ومن أجل أي سبب يريد أن يترك موضعه الذي يسكن فيه؟ هل لأنه يريد أن يهرب من التعب فيطلب البرية الداخلية ظنًا منه أنه يجد هناك موضعًا خاليًا من التعب؟ أو أنه قد جُرح من الشيطان الماقت الخير بحسده له إن كان قد تقدم في نجاحه في الأمور المرئية، وهو لم ينل بعد مبدأها، ولهذا يؤثر أن يترك مكانه؟ أو لعله يطلب ذلك هربًا من عمل الفضائل؟ أو أنه لم يحتمل أن يثبت في الخضوع فيطلب التوحد؟ أو لعله يلتمس ميراثًا أرضيًا يروم من أجله أن يترك مكانه؟ فالأفكار توضَّح هذه الأمور إن استفحصناها وفتشناها، وعلينا إذا علمنا الألم الذي يؤذينا أن لا نتبعه، لئلاَّ نسقط في أيدي الشياطين الخبثاء.

افحص إذًا ذاتك بتدقيق إن كان الأمر الذي تفكرَّ فيه هو من أجل الله تمامًا أم أنه بقصد فاسد. لأن كل من يعمل أمرًا بلا مشورة يضاهي رجلًا يطارد برجليه طيورًا طائرة في الهواء، إذ يعمل الأمور التي يفكرَّ فيها بلا مشورة. أما الرأي الصالح فهو بحفظ وصايا لرب.

فماذا ينبغي أن نقول عن هذه الأشياء؟ إننا نحتاج، يا أحبائي، إلى التيقظ، لأن العدو يحارب اختيار الإخوة، فإن تنازل الأخ وارتضى أن يفارق الموضع، يحتال العدو أن يقتنصه بفخ في موضع آخر. ولكن إن طردنا الناس من أجل حسدِ، أو كلفونا أن نشارك أعمالًا غريبة فهربنا إلى موضع آخر، فلنا عندئذ دالة عند الله، إذ أن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح يقول لتلاميذه: "إن طردوكم من هذه المدينة فاهربوا إلى الاخرى". أما عن عدم التنزه، فالمخلص قال أيضًا: "لا تنتقلوا من بيت إلى بيت"، وأيضًا قال: "أي مدينة دخلتموها أقيموا هناك"، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.أما إن أردنا أن نعمل مشيئاتنا فأية فضيلة هذه؟! فإن أفرزنا المتقدمون علينا (أي قاموا بتنحيتنا)، فلنمنح موضعًا (أي نتنحى ونحتمل) مقاومين المحَّال (أي الشيطان) بالأكثر، فهكذا عمل داود إذ كان يحارب القبائل الغريبة فإنه تنحى من وجه شاول.

وإن سكنت حسنًا في البرية، وألح عليك الفكر أن تنتقل إلى الأماكن المسكونة، فأجبه واصفًا له حرب العالم والنوائب العارضة للذين يسكنون هناك. وإن سكنت في الكنونيون حسنًا وحضَّك الفكر أن تدخل البرية، فأجبه مخبرًا بحربها وتعبها. وإن سكنت وحدك منفردًا وآذاك الفكر أن تدخل إلى مجمع إخوة، فأجبه واصفًا جهادات الذين في الأديرة.

لا ينبغي أن نتبع أفكارنا بلا تمييز، لأننا لا نعرف ما يوافقنا كما تقول الحكمة. فلا ترفع ذاتك بأي نفسك لئلا يؤكل ورقك ويضيع ثمرك، وتترك ذاتك كالعود اليابس، لأن الخلاص يكون في المشاورة الكثيرة.

ولكنك ربما تؤثر أن تقول: إننا من أجل الاضطراب ومن أجل الوقيعة نريد أن نهرب من هناك. احتمل إذًا، وأنا أشير عليك بكلمة: أتؤثر أن تهرب من السجس والوقيعة؟ ضع بابًا على فمك بالرب، وأردد عينيك لئلا تبصر الأشياء الباطلة، فبهذا تفلت من الأمرين كليهما: من الوقيعة بالسكوت، ومن السجس بتحفظ العينين. فإن لم نغلب هذين الأمرين فإننا أينما مضينا نصادف في ذاتنا الذين يحاربوننا. فاغلبهم أنت، يا حبيبي، فتكون لك راحة أينما جلست.

ولكنك ربما تقول إنه عُرف انقلاب رأي ونيتي عند أخوتي كلهم، ومن أجل هذا فأنا لا يمكنني أن أجلس في هذا الموضع، لأنني قد اشتهيت الفضيلة لكن الناس الذين أسكن معهم هم يدينونني بفكرهم ويعيرونني. فاسمع الآن يا حبيبي، اعمل الخير فتبصر أن الرب يشفي ضميرك وضمير إخوتك من أوهامهم فيك. وإلا فكيف تحتمل أن تترك الموضع والإخوة مرتابين بما يتوهمونه فيك؟ أتهرب من تعيير الناس وتمضي إلى مكان آخر حيث تظن أنك تجد هناك من لا يذكر نقصيتك الأولى؟ بينما النبي يقول: "انتظرت نفسي التعيير والشقاء"، فالتعيير يوافقك جدًا واحتمال الاحتقار من الناس من أجل الرب يطهر الخطايا، ويقنعك بذلك النبي قائلًا: إنه "في تواضعنا ذكرنا الرب وفدانا من أعدائنا"(مز36: 23). فحيث طرحك المعاند هناك قم وصارعه، لكي الذين عرفوا مناقصك تظهر لهم تقويماتك، وبهذا تحظى من الرب بمجد عظيم. فإن مخلصنا يسوع المسيح يقول: "ويكون الأولون آخرين والآخرين أولين". لأنه حين يُغسل الثوب الوسخ لا يُترك بعد مع الثياب الوسخة، وإن كان أحد عن حسد أو غيره خبيثة يسمى النقي وسخًا فلا يصدقه أحد، لأن منظر الثوب يوبخه، إذ يقول: "تغسلني فأبيض أكثر من الثلج"!

أما الذين يضادونك (إن وجدوا) ويؤثرون أن يقبلوا فكرك، فالكتاب يقول: "ويل للذين يسقون قريبهم كدرًا" (حب2: 14)، الذين تركوا الطريق المستقيمة ليمضوا في سبيل الظلمة، المسرورين بالسيئات والمستبشرين بالرجوع إلى الرديء، الذين طرقهم معوجة ومناهجهم وعرة، ليجعلوك بعيدًا عن طريق الحق المستقيمة وأجنبيًا عن العزم المقسط (أي اللائق). فلذلك يقول الرب إنهم لا يجدون سنن الحياة، لأنهم لو كانوا سلكوا سبيلًا صالحًا لوجدوا طرق الصديقين الممهدة. لآن الصالحين يقطنون الأرض، وأعداء الناموس يُقصون منها. يا بُني لا تنسى شرائعي وليحفظ قلبك كلماتي. فإن المجد لإلهنا إلى الدهور آمين.

أيها العبد، أهكذا وعدت المسيح أن ترضيه وأنت لا تشاء أن تحتمل بشهامة المحن والغموم الآتية إليك من المضادين؟ ولا تريد أن تقبل التأديبات والضغطات من المتقدمين عليك؟ حيث يقول الرسول: "إن كنتم بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه فأنتم نغول لا بنون" (عب12: 8). أضُربت، افرح لأنك ضُربت، أجُلدت بواجب، افرح لأن ثوابك جزيل،لأن الرسل الذين بشّروا العالم بالخلاص كانوا في كل مدينة يُضربون كفاعلي الشر، فلم يسخطوا ولم يغتاظوا، بل كانوا يُسرون لأنهم أُهلوا أن يهانوا من أجل أسم المسيح. فافرح أنت لأنك قد أُهلت أن تهان من أجل اسمه.

لعل أحد المتوانين يقول: إنني أحزن لأن هذا أصابني بعد هذه الأتعاب كلها! يا عبد الرب، أهذا يحزنك؟! أليس من هنا يمكنك أن تعرف ذاتك إن كنت بالحقيقة بعد هذه لسنين قد غلبت الآلام: وذلك إن كنت تُسرُّ بالهوان الذي يأتيك، ولا ينشغل فكرك بما هو حاصل لك؟ لأنه إن ظن أحد أنه شيء وهو ليس شيئًا فإنه يخدع نفس (غل6: 3).

إن مهارة الربّان إنما تظهر في أوان تقاطر الأمواج. فمن يتعظَّم ويقول إن لي مثل هذه السنين في سيرة العبادة بينما هو لم يقتن صناعة السيرة، يكون كمن يحضر أدوات ويرتبها وهو لم يتعلم الصناعة بها! هل شِخت في الإسكيم وصرت كمن له خبرة بالسيرة التي تقدم ذكرها؟ صر مثالًا للشباب وللذين لا خبرة لهم. أما إن كنت غرسًا جديدًا بعد فاخضع للشيوخ، فإن جنود الملك الأرضي يخضعون لمدبريهم وقوَّادهم، ليس من أجل الخوف فقط، بل ومن أجل الضمير. فإن كان أُولئك المتجندون بجندية بشرية يظهرون كل حرص ليسترضوا الذين يطيعونهم،فكيف تحتمل أنت يا من جحدت هذه الحياة أن تواجه مثل هذه الآلام ولا تطيع ولا تخضع، بل تطرح التأديب في المسيح ملتمسًا المديح ومجد الناس الكاملين، وتهرب من الأتعاب التي من أجلها تكون الكرامات؟ لماذا تحتمل أن تضيع مثل هذا السكوت والتعب من أجل راحة يوم واحد أو ساعة واحدة؟! أهذا هو مديحك؟ أهذه هي نجابتك أن يعرض لك حزن يسير فتكفر بالإسكيم والسيرة، وتمنح العدو عليك سلاحًا بتوانيك؟!

يا أخي، لا تمنح المضادين ظهرًا، بل اغصب نفسك وقاتلهم فيهربون منك. لأنني أشعر أن الذي ارتضى أن يكون لك وسيطًا لا يُسر بالعيب الذي لك، لأنه سوف يعطي عنك جوبًا للرب. إنما هذا هو سروره: إن وقفت للرب كاملًا.

أيها الحبيب، عُد إلى ذاتك وارجع إلى راحتك. البس درع البر وتناول حربة الأمانة وضع عليك خوذة الخلاص وخذ سيف الروح الذي هو كلمة الله. صر مثالًا للوداعة في الآلام للإخوة الناظرين إليك، وليتعجب الذين هم أكبر منك نسكًا من صبرك، وليُسر الروح القدس الساكن فيك بشجاعتك.

أما إن كنت لا تحتمل المحنة، فكيف تحتمل العظمة؟ وإن كنت لا تقدر أن تغلب طفلًا، فكيف تصارع رجلًا كبيرًا؟ وإن كنت لا تحتمل كلمة؟ فكيف تحتمل كلومًا؟ وإن كنت لا تحتمل لطمة وجلدة، فكيف تحتمل صليبًا؟ وإن كنت لا تحتمل صليبًا، فكيف ترث المجد في السموات مع القائلين: "هذه النوائب كلها تقاطرت علينا فما نسيناك ولا غدرنا بعهدك"، وأيضًا: "من أجلك نُمات كل يوم، وقد حُسبنا كغنم للذبح" (مز44: 17، 22).

أشاء أن أسكت، أيها الحبيب، من أجل خزي وجهي، لكن وجع قلبي يضطرني أن أتكلم. نعم، أيها الأخ الحبيب،إننا قد نسينا الأشياء التي احتملها سيدنا كلها من أجلنا. لقد شُتم ورُذل، وسمع القائلين له: "بك شيطان" فلم يسخط. سمع من قال له: "أيها المضل" فلم ينتقم. لُطم وأُهين وصُلب وذاق الخل مع المّر، وطعن بالحربة في جنبه، وهذه كلها احتملها من أجل خلاصنا.

ويلي أنا الشقي، ويلي أنا الخاطئ، فإنني بلا عذر. ماذا أقول وبماذا أتكلّم؟ أنت يا رب، تعرف خفيات قلبي، فاغفر لي اللهم أنا غير المستحق، لأني لا أُوثر أن أسمع شيئًا بالكلية، ولا كلمة واحدة، من أجلك! من يبكي على المقتني التورّع حجابًا للرزيلة؟ لقد ترهَّبت بالكلام، وأنا بأعمالي أُسخط الله. حقًا إنه من أجل تكاثر الإثم تفسد محبة نفوس كثيرة.

أتضّرع إليكم، يا إخوتي، أن نتيقظ لدى الرب، فإنه لا يطرح المؤثرين أن يخلصوا، بل يؤازرهم. ولنقل نحن مع النبي: "ارجعي يا نفسي إلى راحتك فإن الرب قد أحسن إليك، لأنه نَّجى من الموت نفسي وعينيَّ من الدموع ورجليَّ من الزلق، لأرضي الرب قدامه في أرض الأحياء" (مز116: 7-9). ولنؤهل أن نسمع القول: "إن أبني هذا كان ميَّتًا فعاش، وكان ضالًا فوُجدَ".

ولإلهنا المجد مع أبيه وروح قدسه. آمين.

المصدر : http://st-takla.org/

أقوال آباء : القديس مارافرام السرياني


1- عظة للمبتدئين في سيرة العبادة

أيها الحبيب، ها أنا أعاهدك بالرب عهدًا جديدًا، فإن حفظته فسيمنحك الرب في النهاية سرورًا: إن زهدت في العالم الباطل، ودخلت إلى الكنونيون في مجمع إخوة كثيرين، فلا يطغك العدو كى تخرج من الدير لئلاَ تندم أخيرًا. بل اصبر واضعًا لنفسك أساسًا صالحًا بكل تواضع العقل، فلا تجزع من المحن المتقاطرة عليك من العدو، بل أصبر لكى تنال التطويب، لأنه كتب: "طوبى للرجل الذي يصبر على المحنة، لأنه إذا صار مختبرًا ينال الإكليل الذي وعد به الرب للذين يحبونه" (يع1:12).

أتشاء أن لا يستولى عليك العدو؟ اقطع كافة مشيئاتك فيصير لك نياح وإن ظننت أمر ما أنه جيد، وأعلمك المتقدم عليك بالرب أنه ليس جيدًا، فاخضع له في الرب، لأن من يؤثر الشغب ويتبع فكره، فذلك علامة انغلابه. لأن الأخ المبتدئ إذا أمر ولم يخضع، فإنه يصنع لذاته اسم تعيير، فقد قال في المزمور: "اعبدوا الرب بتقوى وهللو له برعدة، تمسكوا بالأدب لئلا يسخط الرب فتضلوا عن الطريق المستقيمة" (مز 5: 11).

فمن يحب التأديب لا يحزن، ومن يمقت الأدب يخسر ذاته. فكما أنه غير ممكن أن تضع في جرة واحدة نبيذًا وخلًا معًا، هكذا لا يمكن أن تسكن فضيلة العبادة مع عدم الأدب. وليقنعك بذلك الرسول قائلًا "أى اتفاق للمسيح مع المارق؟ وأى شركة للنور مع الظلمة؟" (2 كو 6: 14).

أحبب العفة متناهيًا في حدودها لكى يسكن روح الله قلبك. وإذ قد أهلت لسيرة العبادة، فلا تتنازل هكذا للأفكار التي تحاول أن تفصلك من زمرة الإخوة لئلا تتعلم من بدء حياتك أن تكون تائهًا وغير ثابت.

احذر أن تضيع الورع الذي كان لك حين دخلت الدير، بل تمسك به إلى النهاية. السب والحلف لا يلفظان بشفتيك كما يليق بالقديسين، بل كن متواضعًا وفي كا إجاباتك فلتكن لك: "اغفر لى". ولتبد منك كل العادات الرديئة التي للعالم لكى تسلك بسيرة ذات فضيلة، فيكون لك المدح من الرب.

إذا أحببت سيرة العبادة، وتركت الذهب والفضة والثياب، وتقدمت فأرسلتها كما تأمر وصية المخلّص، فاقتنٍ عوضًا عنها الأمة (أى الإمان) والحمية والصبر والتوضع، والباقى يرزقك إياه الله بخيريته.

إن جاء أحد من حال جليلة إلى سيرة العبادة، فليحفظ ذاته من شيطان استعلاء العقل، لئلا يسقط في روح الكبرياء وعدم الخضوع فيخسر ذاته.

أيها الحبيب، هذا الأمر ليس هو خجلًا لك، أن تكون في الطاعة بحسب مشئية الرب، أو أن تعمل الصلاح بيديك، لأن هذه الضيقة اليسيرة والضغطة التي تحتملها من أجل الرب تصير سبببًا لنوالك الحياة الأبدية. وماذا أقول؟ إن كل ضيقة سيرة العبادة هي كمن يستبدل درهمًا بربوات قناطير ذهب، فهكذا هي الضغطة الحاضرة بإزاء الحياة الآتية الأبدية. وبالعكس هي الضيقة العتيدة التي تلتقى صانعى الصلاح. إذا فأنت تعطى هنا أشياء قليلة وتأخذ عوضًا عنها هناك نصيبًا جزيلًا.

تيقظ الآن يا حبيبى مثل جندى نجيب، ولا تهمل الموهبة التي فيك بالتوانى، لئلا يوافيك الأمران كلاهما: أنك أحزنت الناس، أعنى والديك بالجسد وجميع خلانك، والله ما أرضيته. فجاهد إذا لكى يمجد بك الحاضرون الله بسيرتك الصالحة، لأنه قد كتب أن "الذين يتقونك يبصروننى فيسرون، لأننى وثقت بأقوالك" (مز 119: 74)، وأيضًا: "سلامة جزيلة للذين يحبون شريعتك وليس لهم شك" (مز 119:165). فلهذا احترس من استعلاء العقل، والرب يكون لك نصيبًا وحصنًا، الذي له التسبيح إلى الأبد آمين.

يا إخوتى، إننى أشعر أن النعاس الذي يؤذى الإنسان ليلًا هو ثلاثة أنواع. النوع الاول يعرض للأخ من فعل الشرير إذا بدأ يصلى، ولكن خلوًا من رقاد الأخ فهو لا يقدر على شئ، بل يؤذيه بالأكثر إن ثقلت معدة الأخ بالأطعمة والأشربة. والنوع الثانى يجعل الأخ يتوانى في منتصف الليل إذا لم يكره ذاته في الوقوف إلى كمال القانون فيؤثر أن يترك المرتلين عند انتصاف الصلاة ويذهب إلى فراشه. أما النوع الثالث فيعرض للأخ بعد كمال رسم الصلاة الجامعة المألوفة. فمن أجل هذا يحتاج الضعفاء من الإخوة إلى التمهل لئلا يتمموا رأى العدو.

وأنت أيها الأخ فلا ترقد في كل شىء. أما سمعت مرارًا كثيرة أن الرب حين استدعى صموئيل النبى لم يكسل عن النهوض مع أنه كان صبيًا. فإذا قمت للصلاة الجماعة وسط الإخوة، أو قمت في التفرد (أى وحدك) لتمجيد ربنا يسوع المسيح، فآذالك النعاس الأول، قاومه بمعرفة لئلا يضاعف كسلك ويردك إلى فراشك فارغًا. بل اصبر بثبات، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.وإذا ألقاك على وجهك مرة ومرتين فلا تنتقل من مكانك وأنت تجد منفعة عظيمة. لأن ألم النوم الذي لا يشبع منه ليضاهى شره البطن، لأنه تعود أخذ أن يأكل كثيرًا، تطالبه الطبيعية بأغذية كثيرة، وإن تعود الإمساك والحمية فلا تطالبه الطبيعة أن يأكل كثيرًا.

ردد في تفكيرك أن الصيادين يقضون الليل كله ساهرين وهم يتوقعون الصيد، فإن تثقل أحدهم بالنوم فتوانى ونام، ثم نهض من نومه وتأمل ذاته كيف أنه لم يتصيد شيئًا وأبصر الساهرين والمتيقظين وقد رزقوا، فحينئذ يندم في ذاته ويقول: ويلى أنا الخاطئ المضطجع والعاجز، لأننى توانيت ونمت، ولولا ذلك لكنت اصطدت ورزقت كرفقائى، لكننى توانيت، فالآن أذهب فارغًا إلى بيتى وليس في يدى شىء، لأنه قيل {نامو نومًا فلم يجدوا شيئًا } (مز 76: 5).

تفكر أيضًا في الفاخورى والحداد، فتجد هنك تعبًا لا يحصى وسهرًا كثيرًا جدًا وصبرًا. أما نحن فلا يشتمل جسدنا الدخان والغبار، ولا نحتمل نظيرهما، بل نقف في موضع نظيف ومقدس قدام ربنا والهنا في دالة جزيلة وسلامة، وفي مزامير وتسابيح وتهاليل روحانية ورجاء صالح. فلماذا نتهاون ونرقد يا أحبائى؟ وما هو عمرنا على الأرض؟ ها النبى يهتف قائلًا: "إن الإنسان أشبه بأمر باطل، وأيامه تعبر كعبور الظل" (مز 144: 4)

فلا تشابهنى أنا الراقد الذي ضيع الصبر، عالمًا هذا بكل تأكيد: أن من يتيقظ يربح ومن يضطجع يخسر، لأن كل واحد منا سوف يعطى عن نفسه جوابًا لله. وقد علمت أنه لا عذر لى عن أعمالى، لأننى أعظم الاخرين بينما أنا أثبت في توانيهم بعينه. لذلك أتضرع إليكم يا عبيد المخلص الؤمنين، أن تتضرعوا إليه من أجلى، مبتهلين إلى المسيح مخلصنا ملك القوات أن يمحو كثرة خطاياى بوفور رأفاته ويخلصنى ويردنى إلى ملكه السماوى بتعطفه على البشر.

فلا نحتسب النوم، يا إخوتى، فائدة وإراحة للجسد، فإن الفائدة والراحة هما أن يكلف الإنسان ذاته في عمل الرب كل حين. فلنكلف ذاتنا إذا يا أحبائى، لكى ما إذا جاء الرب يجدنا متيقظين فيؤهلنا لتطويبه؛ لأنه قال: "طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء مولاهم يجدهم ساهرين". فليعز (أى يشدد) بعضنا بعضًا إلى النشاط وإلى تمجيد الرب مخلصنا يسوع المسيح، لكى ينهضنا مع كافة الذين أحبوا ظهوره، ويقيمنا عن يمينه في ملكه، الذي له المجد إلى الأبد آمين.

يا أحبائى، فلنصر مثل جند شجعان مستعدين أن نموت عن ملكنا. لأننا حين كنا نتصرف في العالم ونتقلب في الأمور الأرضية، لم تصبنا هذه الشدائد، ولا دهمتنا هذه الغموم، بل الآن لما جئنا لنرضى الرب بحرارة، ينهض علينا الشرير هذه المحن والأحزان والهياج. أرأيت إذا أننا من أجل الرب تصيبنا هذه الأمور؟ لأن العدو يحسدنا ويروم أن يردنا عن طريق الحياة ويقتادنا إلى الرخاوة والسآمة، لئلا إذا أرضينا الرب نخلص. فمهما أثار الخبيث من هذه الأشياء علينا، ووجدنا شجعانًا في الصبر ونشيطين مستعدين أن نأتى إلى الموت صابرين من أجل رجاء المسيح، فستنحل كافة حيله. لأن إلهنا مؤزر لنا ومحارب عنا؛ فإنه يمنحنا الصبر إذا صبرنا واتكلنا عليه، ويخزى أولئك (الشياطين)، فنحظى من الرب بمكافأة الأتعاب، التي هي الملكوت.

فلنصر، يا إخوتى، مثل سندان الحداد يضرب فلا يتأثر، فلا نقبل في ذاتنا أثرًا واحدًا من الاسترخاء أو من السآمة أو من الضجر في الجلدات والمحن. فإذا كنا نجاهد فلنغلب الذي يصارعنا بالصبر؛ لان ربنا هكذا جال هذا الدهر مجلودًا معيرًا مبصوقًا عليه ومرجومًا، وأخيرًا احتمل موت الاثمة موت الصليب. فقد احتمل سائر الأشياء من أجل خلاصنا، تاركا لنا مثال الحياة، لكى ما في طريق الأحزان والمحن والموت التي سلكها، يسلك الذين يؤمنون به الحقيقة والذين يؤثرون أن يصيروا مات غلب وقتل وداس الخطيئة بالجسد، وجرد القوى المضاد كما كتب: "جرد الرئاسات والسلطات وفضحهم على الصليب" (كو 2: 15). هكذا نحن إذا صبرنا على كل شغب وحزن يأتى علينا من الخبيث بشهامة، نسرع لكى نغلب المضاد بالإيمان والصبر والرجاء في المسيح. وهكذا نصير مهذبين هنا، ونؤهل للافتداء ونمتلئ قداسة وفرحًا، ونصير وارثين الحياة الابدية هناك.

لأنه في الجهاد الروحانى يصير الظفر بالمعاند بواسطة الآلالم والموت، فإذا تألمنا ومتنا من أجل الرب نغلب بنشاط كل اقتدار العدو. ولا ينبغى أن نحسب كل حزن وكل محنة أنها مؤلمة موجعة، بل فلتكن شهوتنا موجهة إلى الرب، جاعلين موته قدام أعيننا دائمًا.

فاحتملوا كل النوائب بصبر كما قيل: "كل يوم تحمل صليبه"، الذي هو الموت، "ونتبع إثره"؛ فهكذا نحتمل بسهولة أي اغتمام سواء كان مكتومًا أو ظاهرًا. لأننا إن كنا نحتمل أن نصبر على الموت من أجل الرب، ونتوق أن يكون الرب قدام أعيننا كل حين، فكيف لا نصطبر بفرح على الأحزان مهما كانت ثقيلة حين تداهمنا بحجة وبغير حجة. ولكننا نحتسب الغموم ثقيلة ولا صبر لنا عليها، لأننا ننظر الموت قدام أعيننا ولا يتوق إليه ذهننا كل حين. لأن من يشتهى أن يرث المسيح، فهو يؤثر بلا شك أن يتألم معه. فالذين يحبون المسيح بهذا يعرفون: إذا صبروا على كل حزن بشهامة ونشاط من أجل الرجاء بالله.

فلنتضرع الآن إلى الرب أن يعطينا فهمًا لنعرف مشيئته ونكلمها بنشاط بكل صبر وتمهل وسرور. ليعطنا الرب إياها ويؤيدنا في ككل أمر يرضيه، لكى نوجد مهذبين ونكون مستحقين أن ننال الخلاص الأبدى، بيسوع المسيح ربنا الذي له المجد والعزة إلى الأبد. آمين.

المصدر : http://st-takla.org