(لَكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ
وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.)
(متى 6: 33 )
وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.)
(متى 6: 33 )
لكن غابت عن كثيرين رؤية ملكوت اللٰـه |
فلهذا السبب يجب أن نبدأ بالحديث عن ملكوت اللـه بطريقة جديدة. وعلى الرغم من الظروف الحالية، حيث أن جزءاً كبيراً من الكنيسة ومن الشركة المسيحية ميت تقريباً، إلا أنه ما يزال بمقدورنا الحديث عن ملكوت اللـه للناس من رجال ونساء عصرنا. فقد كان ملكوت اللـه يمثل سيادة الحق والنظام والقوة والسلطان الإلهي لكل ما يخضع لله في الخليقة والذي ما يزال بل سيستمر في هذا النهج. وهو ما يؤثر في قسم منّا نحن البشر من الذين يتوخون الحقيقة، ولابد لهذا أن يتجسد ويصير له كياناً منظوراً في حياتنا بصورة كاملة. فما لم تنصهر حياتنا لتكون وفقاً لهذه السيادة فسيستمر في داخلنا الشعور بعدم الرضا. وربما نستمتع برفاهية الحياة العصرية، ولكن واقع الأمور الأبدية سينطفئ في حياتنا ما لم يبزغ فجر سيادة وهيمنة حقائق اللـه وعدله لتصير نور حياتنا.
ومع ذلك فإن هذه الحقيقة تسبب الكثير من التنافر بمجرد التطرق إليها. فملايين من الناس “المسيحيين” يشعرون بكل السلام والراحة من مرحلة الطفولة وصاعداً حتى يوروا الثرى. فهم مقتنعون ومكتفون لما يُقال عن اللـه، ولا يثير هذا أي شعور بعدم الراحة فيهم بأي طريقة من الطرق. فالدين يؤخذ كأمر مُسَلّم به على أنه جزءاً من الحياة؛ ويتم قبوله كما هو. وهذا لا يسبب أي خلاف أو صراع ولكنه على الأكثر قد يثير جدالاً هنا أو هناك فيما يتعلق بتفسير هذا التعليم أو ذاك التعليم، إلا أن تلك المجادلات غير ذات جدوى. وسرعان ما ينشأ خلاف جديد حينما نشعر بضرورة إعلان ملكوت اللـه على أنه شيء حيّ، وهو ما أريد أن أفعله اليوم. فأنا لا أريد مجرد تثقيفك، ولكني أريد أن أعلن لك ما وضعه اللـه في قلبي: ألا وهو أن ملكوت اللـه واقع حي، وهو سلطان يُفْعِم النفوس هنا والآن. واليوم، هو قريب ومتاح - قريب أكثر مما نعتقد. وتدخُّل اللـه الحي أقوى اليوم أكثر مما يعتقد الكثيرون. فاللـه يريد أن يُظهر نفسه الآن على أنه إله قادر على كل شيء، فهو الوحيد الذي علينا أن نشغل أنفسنا به، وبكامل البهجة والسرور.
عندما نتحدث عن ملكوت اللـه فأننا نبشر أن يسوع المسيح ليس ميت. وهو ليس مجرد شخص عادي ظهر من ألفين سنة مضت، أو شخصية من الماضي نحتفظ ببعض تعاليمها. لا، فمثلما عاش يسوع قبل ألفين عام مضت، فهو حيّ اليوم. ويريد أن ينتصر في وسط معاشرنا لأجل مجد اللـه. ويريد أن يحيا بيننا حتى تتعمق وتنمو مهابتنا للـه ألآب في السماء. يجب أن نَمْثُلَ أمام اللـه بطبيعتنا الضعيفة والفقيرة روحياً، ونرفع عيوننا نحوه بتنهد قائلين: “يا أبتاه، يا أبتاه، أنا أيضاً أريد أن أكون ابنك!” عندئذ، وبمعونة القوة المعطاءة للحياة، سنؤمن أن: يسوع حيّ وظافر وسيساعدني. ولا يهم من أكون، فإن اسمه سيتقدس فيّ، وستكتنفني سيادته بحيث تتمّ مشيئته فيّ تماماً مثلما تتمّ في السماء.
أصدقائي الأعزاء، أتمنى أن أضع في قلوبكم قوة اللـه الحية. وأتمنى أن أساعدكم على فهم أن تلك القوة هي التي تجعلنا خليقة جديدة تماماً. ويمكنها أن تتغلب على الكثير من بؤسنا، حتى على ذلك البؤس في حياتنا المادية. فقوة اللـه الحية تدركنا وتريد أن تظهر لنا قيم حقيقية وواضحة يمكن أن تجعل منا أشخاصاً سُمَحَاءً على الرغم من كل ما يوقعنا في شرك هذه الحياة.
يسوع حيّ ويعمل فهو ليس كلمة فارغة أو مجرد تعليم |
أما بالنسبة لي، فإن هذه هي الطريق الوحيدة. ولكني إن أعربتُ عن هذا للآخرين فقد يكون رد فعل الناس: “مَن هذا الشخص المتغطرس؟ كيف يمكن لأحد أن يقول مثل تلك الأشياء اليوم؟ ألا يُعتبر الكتاب المقدس والطوائف القائمة كافية بالنسبة لنا؟ هذه خرافة ومبالغة”. لهذا سيتولد صراع، إلا أنه سيوقد النور في قلوب كثيرة، ألا وهو نور الرجاء، ونور القوة، ونور من الأعالي فيما وراء هذه الأرض. إذ لا يمكن لأي شيء أن نستمد منه القوة أكثر من التيقُّن أن يسوع حيّ ويعمل وأنه ليس كلمة فارغة أو مجرد تعليم. ولا شيء يمدّنا بالقوة والنشاط أكثر من وعينا أن يسوع موجود في وسطنا (متى 18: 20). ويجب أن نؤمن بهذا حتى تصبح حياته حقيقة فينا وحتى تنقينا روحه.
لو كان ملكوت اللـه هام بالنسبة لك، عندئذ لن تكون أنت بنفسك شيء هام. |
لو كان ملكوت اللـه هام بالنسبة لك، عندئذ لن تكون أنت بنفسك شيء هام، بل على العكس، يجب أن ترمي نفسك عند أقدام يسوع، وتفكر، أنا كائن بشري ضعيف ولكن يسوع حيّ ويسوع غالب، وسأعطي نفسي له، وسأرجع كل شيء له حتى لا يسودني شيء بل هو وحده.
هذا هو الإيمان. إن آمنا بيسوع المسيح عندئذ يجب أن نقف صامدين. فلن ينفعك أن تسمع شخصاً ما يتحدث عن الإيمان أو تتحدث عن مَنْ ضحى بنفسه من أجل قضية جيدة، أو أن تؤمن بالتعاليم، فسيكون كل هذا بلا جدوى.
لذلك أود أن أصرخ وأنادي للعالم كله: “مُتْ، ليحيا يسوع في حياتك!” (غلاطية 2: 20)، بمعنى آخر، لا توجه اهتماماً لشيء زائف، أو شيء يتعارض مع الحق. فيسوع المسيح هو الرب. فارفعوا قبضتكم عالياً غاضبين ضد كل ما يأتي من الجسد، وضد كل خداع يأتي من تفكيرك البشري. فكل ما هو زائف يجب أن يسمى زائف. أفعل هذا لأجل اللـه مخلصك! وكل ما هو خطأ ليموت ويموت مرة ثانية وثالثة لكي لا يكون ذي جدوى لأي شيء. عندئذ سنتعجب من كل ما يمكننا أن نفعله من خلال سيادته علينا.
كريستوف بلومهارت Christoph Blumhardt
هذا المقال مقتطف من كتاب "في إنتظارهِ فعلٌ"